المسألة ليست مجرد شعارات

سامي الكاف:
أتصور أن استعادة ذكرى 26 سبتمبر 1962 بعد أكثر من ستة عقود، لا يمكن أن تكون مجرد طقس احتفائي يُعاد كل عام بعبارات ممجدة وموسيقى وطنية، بل يجب أن تكون لحظة مواجهة حقيقية مع أنفسنا وواقعنا. فالثورة التي أطاحت بالنظام الإمامي لم تكن مجرد حدث سياسي غيّر شكل السلطة، بل كانت وعداً بفتح أفق جديد للحرية والعدالة والمساواة. واليوم، ونحن نعيش في مرحلة استعادة الدولة وقد طال انتظار استعادتها، فإن السؤال الأكثر إلحاحاً لا يتعلق بما مضى، وإنما بكيفية النظر إلى الحاضر في ضوء الأهداف الستة التي أُعلنت يوم ولادتها، وما تحقق منها وما أُهدر.
على نحو موضوعي، يمكن القول أن بعض الأهداف تحققت جزئياً، فيما بقي الكثير معلقاً أو منكوساً. فقد تحررت البلاد من سطوة الإمامة، غير أنّ الاستبداد أعاد إنتاج نفسه بأشكال أخرى، وتراجعت قيم العدالة والمساواة أمام منطق القوة والهيمنة؛ حتى غدا الواقع صادماً يُحاكي نقيض ما كان يُفترض أن يمثله 26 سبتمبر 1962. وإذا كانت الثورة قد أرادت أن تفتح للإنسان اليمني باب الأمل، فإن انقلاب 21 سبتمبر 2014 أعاده إلى جدران السجن ذاتها التي ثار عليها الآباء، وكأن التاريخ يعيد دورته بصورة أكثر قسوة وإحباطاً.
وعليه؛ يصبح الاحتفاء بالثورة سؤالاً مزدوجاً: هل نحتفي بها كذكرى عاطفية نلتمس فيها مواساة لما آلت إليه الجمهورية، أم نحتفي بها باعتبارها معياراً صارماً لقياس ما ضاع من المعنى والإنجاز؟ فالمسألة ليست مجرد شعارات تُرفع هنا أو هناك، بل هي قدرة على تحويل الدرس التاريخي إلى دافع فعلي لاستعادة الدولة من براثن الانقلاب.
في الواقع إنّ إحياء الذكرى لا يكتمل إلا حين يغدو أداة نقدية تقرأ الواقع الراهن كما هو، وتستنهض الوعي الجمعي لمواجهة التحديات بما يتجاوز حدود الخطاب الإنشائي.
ولعل إعادة الاعتبار لثورة سبتمبر لا يكون إلا بإعادتها إلى جوهرها: ثورة الإنسان اليمني من أجل الحق والحرية والعدل والمساواة. فإذا ظلّت هذه الأهداف مؤجلة أو مؤدلجة، فلن يكون للاحتفاء بها سوى قيمة رمزية باهتة. أما إذا جُعلت بوصلة لاستعادة الدولة، فإنها تتحول من حدث في الماضي إلى مشروع للمستقبل، مشروع يُعيد بناء اليمن كدولة قانون، تتسع لكل أبنائها، وتضع الإنسان في مركزها باعتباره الغاية لا الوسيلة. عندها فقط نستطيع القول إن الاحتفاء بسبتمبر لم يعد طقساً شكلياً، بل بداية لمسار تاريخي جديد يستحق أن يُكتب.